الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ***
مسألة اليمين وهي الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه لا يوجب الكفارة عند أبي حنيفة وأصحابه وهو قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ويأثم فيها صاحبها وعند الشافعي يوجب حجة أبي حنيفة رضي الله عنه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس من الكبائر لا كفارة فيهن الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وقتل النفس بغير حق واليمين الفاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم وفي رواية اليمين الغموس تدع الديار بلاقع أي خرابا خاليات عن الأهل بشؤم اليمين الكاذبة وقال ابن عباس رضي الله عنهما كنا نعد اليمين الغموس من الكبائر التي لا كفارة فيهن وقوله كنا إشارة إلى الصحابة وهو حكاية الإجماع حجة الشافعي رحمه الله من وجهين: أحدهما قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} الآية دل النص على أن من حلف بالله كاذبا يجب عليه الكفارة فإذا حلف بالله على أمر ماض كاذبا عمدا يجب فيه الكفارة الجواب عنه أن المراد بقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} اليمين المنعقدة واليمين الغموس ليس بمنعقدة وهذا لأن اليمين تعقد للبر وهو لا يتصور في الغموس والنص إنما أوجب الكفارة في المنعقدة دون الغموس الثاني أن اليمين الكاذبة في المستقبل موجبة للكفارة في المستقبل
اتفاقا فكذا في الماضي لجامع أنه وجد في الصورتين هتك حرمة اسم الله تعالى بالاستشهاد به كاذبا الجواب عنه أن اليمين المنعقدة مشروعة فتصلح سببا للكفارة واليمين الغموس حرام محض فلا تصلح موجبا للكفارة ولا يجوز قياس الحرام على المشروع مسألة لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يجوز حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه ذكر الكفارة بكلمة ثم وهي للتراخي فلا يجوز التقديم ولأن سبب وجوب الكفارة الحنث دون اليمين فلا يجوز أداء الكفارة قبله كما لا يجوز أداء الصلاة قبل الوقت حجة الشافعي رحمه الله
قوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ويأت الذي هو خير فإذا صحت الروايتان خيرنا فجوزنا التقديم والتأخير الجواب عنه أن الواو لمطلق الجمع دون الترتيب وكلمة ثم نص على الترتيب فيكون أولى وحمل الواو عليه على أنا لو لم نحمله على التقديم يلزم إلغاء الأمر فإن التقديم ليس بواجب إجماعا وحقيقته في الأمر للوجوب مسألة من نذر أن يذبح ولده صح نذره ووجب عليه ذبح شاة ويخرج عن العهدة بذلك عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول محمد رحمه الله وقول صدور الصحابة مثل علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم
وقول الشافعي رحمه الله لا يصح وهو قول أبي يوسف رحمه الله حجة أبي حنيفة رضي الله عنه النصوص الموجبة للوفاء بالنذور كقوله تعالى: {يوفون بالنذر} {وليوفوا نذورهم} وقوله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك وقد نذر بالذبح ها هنا فيجب عليه الوفاء بقدر الإمكان بذبح الشاة بدلا عن ذبح الولد استدلالا بقصة الخليل عليه السلام فانه خرج عن العهدة بذبح الشاة عما أمره بذبح الولد بدليل قوله تعالى حكاية عن إسماعيل عليه السلام: {يا أبت افعل ما تؤمر} حيث أخبره بقوله إني أرى في المنام أني أذبحك وخرج بذبح الشاة عن العهدة بدليل قوله قد صدقت الرؤيا وهذا لأن في الآية تقديما وتأخيرا فان أئمة التفسير أجمعوا على أن تقدير الآية والله أعلم. فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي بذبح الفداء فعلم أنه صار بتحقيق الفعل في الشاة آتيا بما التزمه من ذبح الولد وإنما يكون كذلك أن لو كان النذر بذبح الولد التزاما لذبح الشاة قال أبو بكر الرازي قد تضمن الأمر بذبح الولد إيجاب شاة في العاقبة فلما صار موجب هذا اللفظ إيجاب شاة في العاقبة وشريعة إبراهيم عليه السلام وقد أمر الله تعالى باتباعه بقوله تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} دل على أن من نذر بذبح ولد ففداؤه ذبح شاة وروى أن امرأة نذرت بذبح ولدها في زمن مروان بن الحكم فجمع فقهاء الصحابة رضي الله عنهم وسألهم وفيهم ابن عمر فقال إن الله تعالى أمر بالوفاء بالعهد فقالت أتأمرني بقتل ولدي وإن الله حرم قتل النفس وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه المسألة فأفتى بذبح مائة بدنة ثم أتيا إلى مسروق وكان جالسا في المسجد وقال للسائل سل ذلك الشيخ فسأله فقال أرى عليك ذبح شاة فعاد إلى ابن عباس فقال له أرى عليك مثل ذلك وكأن غرض ابن عباس أن يعلم
مذهب ابن مسعود من مسروق وعن القاسم بن محمد قال كنت عند ابن عباس فجاءته امرأة فقالت إني نذرت أن أنحر ولدي فقال لا تنحري ولدك وكفري عن يمينك فقال رجل عند ابن عباس لا وفاء لنذر فيه معصية الله فقال ابن عباس قال الله تعالى في الظهار ما سمعت وأوجب فيه ما ذكره فهؤلاء الصحابة مع اختلافهم في موجب النذر كان اتفاقهم على صحة النذر من أنكر ذلك فقد خالف الإجماع حجة الشافعي رحمه الله
أن النذر بذبح الولد معصية والنذر بالمعصية باطل لقوله صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية الله تعالى الجواب عنه إنا قد بينا أنه صار عبارة عن إيجاب الشاة بذكر ذبح الولد وذبح الشاة قربة فيصح النذر به وبه خرج الجواب عما حكى الإمام فخر الدين الرازي حيث قال أجاب السلطان الأعظم بهاء الدين عن كلام الحنفية وهو في غاية الحسن وهو أن ذبح الولد في حق الخليل عليه السلام كان بأمر الله وفي مسألتنا ذبح الولد على خلاف أمر الله وهو حرام فلا تقاس هذه الصورة قلنا ذبح الولد صار عبارة عن ذبح الشاة فلا يكون حراما فيجوز القياس عليه.
مسألة لا يجوز القضاء بالبينة على الغائب عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يجوز حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه يا علي لا تقض لأحد الخصمين مالم تسمع كلام الآخر حجة الشافعي رحمه الله
أن الحق قد ظهر عند القاضي بشهادة الرجلين فيجب القضاء لقوله عليه الصلاة والسلام نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر وأيضا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن اقض بالظاهر الجواب عنه أن الحق لا يظهر إلا إذا أسلم الشهود من المعارض فلو كان الخصم حاضرا ربما يخرجهم أو يأتي بشهود على خلاف ما ادعاه عليه فلا بد من حضوره مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ ينفذ ظاهرا وباطنا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله ينفذ ظاهرا لا باطنا وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وصورته لو ادعى رجل على امرأة نكاحا وأقام على ذلك شاهدي زور ولم يعرف القاضي بذلك فحكم بالنكاح على ظن صدق الشاهدين نفذ قضاؤه ظاهرا وباطنا ويحل له وطؤها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وكذا في الطلاق وعند الشافعي رحمه الله لا يحل له وطؤها ولا يقع الطلاق
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه ما روي أن رجلا ادعى بين يدي علي رضي الله عنه بالنكاح فقالت المرأة يا أمير المؤمنين ليس بيننا نكاح وإن كان لابد فزوجني منه فقال علي رضي الله عنه شاهداك زوجاك ولم يجبها إلى إنشاء النكاح وكان بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع ولأنه إذا لم ينفذ القضاء باطنا تكون امرأة لواحد في الباطن وفي الظاهر لآخر وهو باطل حجة الشافعي رحمه الله من وجهين:
الأول قوله صلى الله عليه وسلم إنكم لتختصمون لدي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض من قضيت له بشيء من حق أخيه فكأنما قضيت له بقطعة من نار فلو نفذ القضاء باطنا لما قال ذلك الجواب عنه أن هذا الحديث ورد في الأموال المرسلة بدليلها روي أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث درست فقضى لأحدهما فقال الآخر حقي يا رسول الله وذكر الحديث ونحن نقول بموجبه في الأموال المرسلة إذ الخلاف في الفسوخ والعقود دون الأموال المرسلة الثاني أن القول بنفوذ القضاء باطنا يفضي إلى بطلان العصمة في الأموال والضياع والعقار والنساء والعبيد فلا يكون هذا الحكم لائقا لأحكام الشريعة الجواب عنه أن هذا لازم عليكم أيضا لأنكم قائلون بنفوذ القضاء ظاهرا وهو يفضي إلى أمر شنيع مما ذكرنا وهو كون المرأة الواحدة بين رجلين ومذهبنا في غير العقود والفسوخ كمذهبكم فكل ما يرد علينا يرد عليكم والجواب كالجواب مسألة إذا عرض اليمين على المنكر فنكل جاز للقاضي أن يحكم عليه بالنكول عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول عمر وعلي وعثمان وابن عمر وابن عباس
وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز الحكم بالنكول حجة أبي حنيفة رضي الله عنه ما روي أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فادعت على زوجها أنه قال لها حبلك على غاربك فحلفه عمر بالله ما أردت الطلاق فنكل فقضى عليه بالفرقة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى من إنسان شيئا فادعى على البائع عيبا فاختصما إلى عثمان رضي الله عنه فحلفه عثمان بالله ما بعته وبه عيب فكتمه فنكل فقضى عليه بالرد وكذا نقل عن علي وابن عباس وشريح رضي الله عنهم حجة الشافعي رحمه الله
أن النكول لا يدل على صدق المدعي لاحتمال أن يكون المدعى عليه متوقفا لا يعرف أن دعواه صحيحة أو كاذبة فيجب عليه التوقف فلا يدل على صدق دعواه الجواب عنه قد ترجح جانب كونه ناكلا أو مقرا بالامتناع عن اليمين الواحب عليه بعد العرض مسألة إذا تنازع الخارج وذو اليد في الملك المطلق وأقاما البينة فبينة الخارج أولى عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله بينة ذي اليد أولى حجة أبي حنيفة رضي الله عنه الخارج أكثر إثباتا وإظهارا لأنه قد رد ما تثبته بينة ذي اليد إذ اليد دليل مطلق الملك فكان الملك ظاهرا لذي اليد من وجه وظهوره من وجه يمنع كون
بينة ذي اليد مظهرة له من ذلك الوجه لاستحالة إظهار الظاهر وبينة الخارج مظهرة من كل وجه فكانت أكثر إظهارا فكان القضاء بها واجبا لقوله صلى الله عليه وسلم اقض بالظاهر حجة الشافعي رحمه الله
أن بينة ذي اليد ساوت بينة الخارج في الإثبات فترجح بينة ذي اليد باليد التي هي دليل الملك بالضرورة الجواب عنه أنه لا نسلم المساواة بين البينتين في الإثبات بل بينة الخارج أكثر إثباتا لما ذكرنا فترجح على بينة ذي اليد مسألة إذا أقام المدعي شاهدا واحدا ولم يجد شاهدا آخر فإن القاضي لا يحلف المدعي على ما ادعاه ولا يقضي بحلفه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله يحلفه فإذا حلف يقضي له بما ادعاه حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} وقوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر قسم والقسمة تنافي الشركة وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء حجة الشافعي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين وهذا صريح في المسألة الجواب عنه أن هذا الحديث منقطع ذكره الترمذي والطحاوي وهما أخذا على مسلم في تصحيحه وإن سلم صحته فهو خبر الواحد ورد على مخالفة الكتاب والسنة المشهورة فيكون العمل بالكتاب والسنة المشهورة أولى.
مسألة المحدود في القذف لا تقبل شهادته وإن تاب عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله تقبل شهادته إذا تاب حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} وبعد التوبة داخل في الأبد والاستثناء بقوله تعالى: {إلا الذين تابوا} يصرف إلى ما يليه وهو قوله تعالى: {أولئك هم الفاسقون} أو هو منقطع بمعنى لكن كما عرف في موضعه حجة الشافعي رضي الله عنه من وجهين الأول قوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} والمحدود في القذف بعد التوبة عدل فيكون مقبول الشهادة الجواب عنه أن المراد بهذه الآية غير المحدود في القذف جمعا بين الدليلين الثاني أن الكفر أقبح من القذف والكافر إذا تاب وأسلم تقبل شهادته والمحدود إذا تاب أولى بقبول شهادته الجواب عنه أن المانع من رد شهادة الكافر الكفر وقد زال بالإسلام وأما المحدود فقد ردت شهادته على التأبيد جزاء على جريمته فلا تقبل شهادته وإن تاب مسألة شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله غير مقبولة حجة أبي حنيفة رضي الله عنه ما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا بشهادة اليهود وما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإذا قبلوا عقد الذمة فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وللمسليمن أن يشهد بعضهم على بعض فكذا أهل الذمة حجة الشافعي رحمه الله من وجهين:
أحدهما الكافر خائن والخائن لا تقبل شهادته لقوله صلى الله عليه وسلم لا شهادة للخائن الجواب عنه أنه خائن في حق أهل الإسلام فلا تقبل شهادته عليهم لا في حق من يوافقه في الاعتقاد ثانيها أن الكافر فاسق والفاسق لا تقبل شهادته لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الجواب عنه أنه فاسق بالنسبة إلى أهل الإسلام أما بالنسبة إلى أهل ملته إن كان يجتنب محظور دينه يكون عدلا إذ الكذب محظور في الأديان كلها مسألة لا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله تعالى تقبل حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم لا شهادة لمتهم وأحد الزوجين متهم في شهادته للآخر وقوله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا الزوج لزوجته حجة الشافعي رحمه الله
ما روى أن فاطمة رضي الله عنها ادعت فدكا بين يدي أبي بكر رضي الله عنه واستشهدت عليا رضي الله عنه وأم أيمن وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليها أحد
الجواب عنه أن أبا بكر رضي الله عنه لم يحكم بتلك الشهادة ورد دعوى إرثها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وكان علي رضي الله عنه يعلم أن شهادة الزوج لا تقبل لكنه إحترز عن إيحاشها بالامتناع والدليل عليه أن عليا رضي الله عنه لما ولى الخلافة لم يتعرض لأخذ أرض فدك بل أجرى الحكم فيها على ما كان في زمن الخلفاء قبله مسألة تقبل في الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في موضع لايطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله لا بد من شهادة الأربع منهن حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه والجمع المحلى باللام يراد به الجنس فيتناول الأقل وهو الواحد عند تعذر الكل حجة الشافعي رحمه الله
أن قول الواحدة محل التهمة فلا تقبل الجواب عنه الموجود في هذه الصورة ليس بشهادة ولهذا لا يشترط لفظ الشهادة وخبر الواحد في الديانات مقبول.
مسألة إذا ملك الإنسان أخاه بالشراء أو الهبة وغيرهما عتق عليه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وكذا كل ذي رحم محرم وإن لم يكن من الولادة وعند الشافعي رحمه الله لا يعتق عليه حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى: {وتقطعوا أرحامكم} وفي الاسترقاق قطع الرحم وقوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله وجدت أخي يباع في السوق فاشتريته لأعتقه قال صلى الله عليه وسلم قد أعتقه الله عليك وقد روى هذا عن عمر وابن مسعود وعطاء بن أبي رباح وهو قول الحسن وجابر والشعبي والزهري رضي الله عنهم حجة الشافعي رحمه الله
قوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} وإذا اشترى أخاه فهو من كسبه فيكون ملكا له الجواب عنه أن المراد بالآية الكريمة أن للنفس ثواب ما كسبت من الأعمال الصالحة وعليها إثم ما اكتسبت من الأعمال السيئة ولو كان عاما في المعنى الذي ذكره فهو قد خص عنه البعض فإنه لو اشترى أباه أو أمه أو ابنه أو بنته يعتق عليه بالإجماع ولا يصير ملكا له فيخص الأخ بالحديث الذي روينا مسألة إذا قال الإنسان لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عليه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله لا يعتق عليه وهو قول صاحبيه
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لما تعذر العمل بالحقيقة وله مجاز متعين وجب العمل به إذ الإعمال أولى من الإلغاء فصار كأنه قال هذا أخي من حين ملكته إذ البنوة ملتزم للحرية حجة الشافعي رحمه الله أنه كان العبد ملكا له والأصل في كل ثابت بقاؤه على ما كان وهذا الكلام يحتمل أن يكون المراد منه على طريق الشفقة أو الإعتاق فيكون في الإعتاق شك وهو لا يعارض اليقين الجواب عنه أن قوله هذا ابني إخبار فيقتضي صدق الحرية حقيقة أو مجازا وتعذرت الحقيقة وتعين المجاز ولا يحتمل إرادة الشفقة بصيغة الإخبار ولهذا لو قال بصيغة النداء بأن قال يا ابني قلنا يحتمل الإكرام والشفقة ولا يعتق مسألة إذا أعتق إحدى أمتيه ثم وطئ إحداهما لا تتعين الأخرى للعتق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله تتعين وهو قول صاحبيه حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أن الملك قائم بالموطوءة لأن إيقاع العتق في المنكرة والموطوءة معينة والمنكرة غيرها فكان له وطؤها فلا يجعل بيانا حجة الشافعي رحمه الله
أن الواحدة صارت حرة بإعتاقه والتي وطئها ليست بحرة إجماعا فتعينت الأخرى للعتق الجواب عنه أن العتق لم ينزل في الواحدة قبل البيان فبقي الاحتمال في الكل
مسألة بيع المدبر المطلق لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله يجوز حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث حجة الشافعي رحمه الله
أن المدبر مملوك فيجوز بيعه أما بيان أنه مملوك فإن المدبرة يجوز وطؤها وحل الوطء لا يكون إلا بملك النكاح أو بملك اليمين والنكاح منتف فيتعين ملك اليمين فإذا كان الملك باقيا جاز بيعه لقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} الجواب عنه سلمنا أنه مملوك لكنه انعقد سبب حريته في الحال لأن الحرية تثبت بعد الموت لبطلان أهليته فتعين جعله سببا في الحال فصار كأم الولد فإنها وإن كانت مملوكة جاز وطؤها ولكن لا يجوز بيعها لما ذكرنا مسألة إذا قال إنسان لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لا يعتق وهو قول صاحبيه حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أنه جعل عتق المولود أولا حرا والحرية لا تصلح إلا في الحي فيتقيد به وكأنه قال أول ولد حي تلدينه فهو حر
حجة الشافعي رحمه الله
أن الحي مولود ثان والجزاء عتق أول ولد والشرط ولادة أول ولد فلا يكون الثاني شرطا عينه ولا عتق الثاني جزاء عينه الجواب عنه أن المطلق يجوز تقييده بدلالة من جهة المتكلم ومن جهة سياق الكلام وقد وجدت فإن الحرية لا تتصور إلا في الحي فيتقيد به والله أعلم.
خاتمة وقد انتهت ترجمة الكتاب ولنختم بذكر بيان القضاة والعدول والأحياء والأموات مفتقرون إلى تقليد الإمام الأعظم والمجتهد المقدم أبي حنيفة رضي الله عنه في عامة أحوالهم أما القاضي فإنه ينعزل عند الشافعي رحمه الله بمجرد الفسق فيلزمه على مذهبه عصمة القاضي عن المعاصي ما دام قاضيا وإلا ينعزل ولم يوجد قط قاض على هذا باقيا على القضاء في مذهبه فإذا انعزل لم تنفذ أحكامه وتصرفاته فيجب عليه إظهار فسقه وتجديد توليته وإلا يلزم من المفسدة ما لا يخفى أو تقليد الإمام أبي حنيفة فإنه عنده لا ينعزل بالفسق وأما العدول فلأن أبا حنيفة رضي الله عنه يثبت العدالة بظاهر الإسلام وأما الشافعي رحمه الله فقد شرط اجتناب الكبائر ظاهرا وباطنا والتزكية كذلك وأي عدل أو قاض لم يلم بمعصية ولأن الشركة التي تتعاطاها العدول فاسدة على غير مذهب أبي حنيفة فالتناول منها قادح في العدالة فكيف تنعقد عقود المسلمين بشهادتهم عندهم والعدالة شرط في انعقاد النكاح عندهم فيحتاجون إلى تقليد أبي حنيفة رضي الله عنه وأما بيان احتياج الأموات فإنهم يحتاجون إلى مدد الأحياء باهداء ثواب القراءة إليهم وذلك لا يصل إليهم عند غير أبي حنيفة رضي الله عنه فلا يحصل لهم الخلاص من العقوبات والوصول إلى الدرجات إلا بتقليد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه
وأما بيان احتياج كافة الناس من وجوه: الأول أن تارك صلاة واحدة عندهم يقتل إما حدا وإما كفرا فيجب حينئذ قتل أكثر العالم إذ المواظبون على الصلوات أقل من التاركين في كل وقت خصوصا النساء فإن أكثرهن لم تصل في العمر إلا نادرا فسكوت القضاة عن العامة والأزواج عن نسائهم فيه ما فيه وفي القول الذي يكفر تارك الصلاة يشكل بقاء الأنكحة مع تاركات الصلاة فاقامتهن معهم فيه من العسر ما لا يقاس عليه فيجب عليهم تقليد أبي حنيفة رضي الله عنه الثاني أن البياعات والمعاملات التي تباشرها العبيد والصغار من الغلمان وعامة الأحوال مشكلة عندهم فيجب عليهم أن لا يرسلوا في حوائجهم إلا العقلاء البالغين وأيضا لم يتعارف الناس البيع بالإيجاب والقبول بل يباشرون البياعات بالتعاطي وذلك غير جائز عندهم الثالث أن مذهبهم من ترك تشديدة من الفاتحة لا تجوز صلاته وذلك يعسر على أكثر العوام فلا تجوز صلاة القراء خلفهم ولا يجوز للعامة إلا بتقليد أبي حنيفة رضي الله عنه في جواز الصلاة بما تيسر من القرآن الرابع أنه يشترط عندهم قران النية باللسان والقلب ولم يمكن ذلك لمثل الجنيد وأبي يزيد في العمر إلا نادرا
الخامس أن شرط الخروج عن عهدة الزكاة أن تفرق إلى ثلاثة من كل صنف من الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} الآية ولم يتفق ذلك لأحد في العمر السادس أن النفقة عندهم على الموسر مدان وعلى المعسر مد ولم يتفق ذلك على مذهبهم لأحد منهم السابع أن الحمامات اتي تسخن بالنجاسات والأقراص التي تخبز بالزبل والفخارات التي تعجن بالأرواث كلها مشكلة على مذهبهم الثامن أن بيع الروث والجلة لا يجوز عندهم مع أنهم يباشرونه التاسع أن الملبوسات التي يتناولها الجمهور من السنجاب والسمور والقاقم وسائر أصنافها غير طاهرة عندهم لأن شعر الميتة نجسة عندهم العاشر أن بيع الباقلاء والفول الأخضر والجوز واللوز في قشورها مشكل عندهم مع أنهم لا يحترزون عن أمثالها وهذه قطرة من بحار المسائل التي يحتاج الناس إلى تقليد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فيها تركناها مخافة التطويل فالناس كلهم كما قال الشافعي عيال على أبي حنيفة في الفقه فيكون تقليده أذقع للحرج عنهم والله أعلم.
|